‎17,Aug 2024

«أحمد عمر».. ابن بطُّوطة الصَّحافة العربيَّة

«أحمد عمر».. ابن بطُّوطة الصَّحافة العربيَّة

 

في لفتة طيبة، ووفاء صادق، أقامت جمعية الصحفيين الإماراتية في مجلسها بـ«أبوظبي» (الأربعاء 14 أغسطس الجاري) حفل تأبين للصحفي المصري «أحمد عمر» (23 سبتمبر 1939 ـ 10 أغسطس 2024م) رئيس التحرير الأسبق لمجلة «ماجد» ومؤسسها، وقد شارك في التأبين عدد من الصحفيين الإماراتيين والعرب، تتقدمهم رئيسة الجمعية «فضيلة لمعيني».

ذُكر أحمد عمر بخير من الجميع، وعدَّد المشاركون والحضور مآثره، حتى إنه كلما صعد إلى منصة التأبين واحد من الإعلاميين عمَّق ما قاله سابقه، وربما يعدّ أهم وصف أطلق عليه، ذلك الذي انتهى إليه الدكتور الإعلامي «أحمد منصور» بالقول: «أحمد عمر هو ابن بطوطة الصحافة العربية»، وذلك عند مقارنته من ناحية العطاء والمنجز والبعد الزمني بالرحالة المغربي «ابن بطوطة» (1304- 1377م بطنجة)، وهو وصف رمزي، ومعبر لحد بعيد، وأحسب أن أحمد عمر«سيحفظ في الذاكرة الإعلامية والثقافية العربية» لفترة طويلة.

عمليًّا، ما كان للراحل أحمد عمر أن يحظى بمساحة واسعة من الحب لدى أجيال من القراء العرب لولا تلك الأبوة الصادقة، والتي يمكن اعتبارها حاملة لبعض من حكم لقمان، إن جاز التعبير والوصف، وأيضا لولا موسوعيته في المعارف المختلفة التي تميز بها، وإدراكه ضمن رؤية مستنيرة غلّبت الأبعاد الدينية والمجتمعية والثقافية عن مواقفه الأيديولوجية، فانتصر ـ بوعي ـ للقيم العليا والسامية لحضارتنا وأمتنا.

لقد جسَّد تلك القيم، وعبّر عنها بوضوح منذ أن انطلق بمجلة ماجد منذ العام 1979م، وظل يرأسها ويطور فيها، ويوسع من مساحتها الجماهيرية على مدار 30 عاما من عمره الإعلامي، حتى غدت حاضرة كل أسبوع في معظم الدول العربية، وطاغية على غيرها من مجالات الأطفال ومهيمنة عليها، بل إنها حققت حضورا ومتابعة خارج الفضاء العربي الجغرافي والثقافي.

واليوم، وبعد رحيله ـ وكما ظهر في حفل التأبين ـ يتم الحديث عنه بذكر محاسنه الفكرية والأخلاقية والعلائقية، بإجماع قلّ نظيره من كل الذين تتلْمذوا على يديه، أو رافقوه في الدرب، وحتى من أولئك الذين تنوَّرُوا بأفكاره عن قرب أو بعد، وقد بدأوا معه أطفالا، ورافقوه شبابا، واليوم هم في مواقع العمل والمسؤوليات.

ومن بين ما أتوا على ذكره هو أنه على الصعيد العملي، كان ـ رحمه الله ـ ينتصر للإعلام دائما في مواجهة زحف الإعلان بالابتعاد عن هذا الأخير كليًّا، وذلك ضمن رؤية إماراتية، سعت لتحقيق سياسة ثقافية تبعد الأعمال المقدمة للأطفال عن سيطرة الإعلان، الأمر الذي جعل الطفولة في أمان ثقافي من خلال المواد التي كانت تقدم في مجلة ماجد.

أمر ثانٍ، اهتم به أحمد عمر على الصعيد المهني، وكان فيه نجاة للأطفال من أيّ انقطاع قد تتعرض إليه المجلة، حيث كان يجهز دائما الأعداد مبكرا، حيث إن كل عدد ينزل إلى الأسواق يكون مرفقا بأعداد ثلاثة أخرى مطبوعة وجاهزة، وبذلك تفادى أي انقطاع أو تأخير، لذلك ما كانت تشرق أي شمس يوم أربعاء إلا ويبدأ الطفل الإماراتي والعربي يومه بقراءة مجلة «ماجد»، وقد استفدتُ على المستوى المهني من طريقة عمله هذه.

 

 
أمر ثالث، لم يذكره المشاركون، ولكنني أعرفه، وهو تعامله مع الحقوق المادية للكتاب والرسامين المتعاونين مع المجلة، فقد كانوا يتقاضونها بمجرد موافقته على المادة المرسلة، والتي قد تنشر بعد فترة، أحيانا تتجاوز عدة شهور، نظرًا لتدفق المواد نحو مجلة ماجد، نظرا لنجاحها وشهرتها والإقبال عليها.

كل هذا يتعلق بالبعد المهني والإعلامي للصحفي الراحل «أحمد عمر»، لكن ماذا عن مجلة ماجد في بعدها الإماراتي؟

هي بلا ريب، علامة بارزة في تاريخ الإمارات الثقافي، ومن خلال وعلى مدار عقود صدّرت أفكارا إيجابية لأطفال دولنا، وعمقت من شعورنا القومي والإنساني، ومثّلت حالة إجماع في منطقتنا العربية، وأبرزت القوة الناعمة لدولة الإمارات، وجمعت الأسر العربية مع أطفالها في فضاء معرفي متنوع، وكشفت عن ميراث حضاري قابل للانبعاث والتجدد، لذلك كله ينتظر أن يعاد تنشيط هذا المشروع الحضاري بما يحقق تفاعلا عربيًّا واسعًا، يتسق مع دخول الإمارات «مرحلة ما بعد القوة النّاعمة».